الشيخ / عبد الرحمن البداح (يبه) حينما يكون مدرسة ..

بقلم ـ محمد العتيق
-------------------------------
في الزلفي، حيث تتنفس الأرض طيب أهلها، وتنتقل السيرة الطيّبة كما تنتقل نسائم النخيل، يجيء اسم الشيخ عبد الرحمن البداح (يبه) بحضوره الواضح والمحبوب، ويأتي معه لقبه الأقرب للقلوب : ( يبه) ، كلمة لا تُقال إلا لمن ملأت هيبته البيوت، وسبق ذكره المجالس، واستقر في النفوس مقامه الكبير ..
(يبه) رجل إذا ذُكر، تبادر إلى الذهن وجه الوقار ، وسعة الخاطر ، وهدوء الهيبة ، يراه الناس علَمًا من أعلام الكرم، لا يُشار إليه بوصفٍ عابر، ولكنها قصص تُروى عنه بصدق وتجرد، ويُحفظ له الودّ والتقدير بين الكبير والصغير ، بيته موئل للناس، ومجلسه مقصد للمحبين، وحديثه ميزان أدب وحنكة ورفق ..
تشرفت بلقائه هذا اليوم، برفقة الزميل والصديق الغالي الأستاذ/ ناصر الحميدي (أبو محمد) .. لحظة عابرة في ظاهرها، لكنها حفرت في الذاكرة أثرًا لا يُنسى ، جلست بين يديه دقائق معدودة في الزمن كبيرة في الفائدة ، فوجدت نفسي أمام رجل تعرفه النفس قبل العين ، لم يسألني من أكون، ولم أحتج أن أعرّف بنفسي، فحين تحدث إليّ، شعرت أنني ابن من أبنائه، وكأنه يعرفني ويعرف والدي وأجدادي وأسرتي كلها ..
حديثه معي كان فيه لطف شديد، وتقدير لم أتوقعه، وأسلوب يفيض بالكرم والتواضع. لم يُشعرني لحظة أنني زائر، بل كأنني صاحب دار، أو قريب له غاب عنه طويلاً ثم عاد ، الكلمة منه تؤنس، واللفتة تطمئن، والنظرة توصل المعنى دون أن تزدحم بالشرح ..
الحديث عن "يبه" لا يُختصر في الكرم وحده، فكرمه ليس في طعام يُقدَّم أو مجلس يُفرش، لكنه في رحابة صدره وإقبال نفسه، وفي نبله، وفي ذلك الإحساس المريح الذي يتركه في نفس من يجالسه ، كثيرون مرّوا عليه، وكل من التقى به خرج بانطباع واحد : هذا رجل يُعتمد عليه في الشأن، ويُحتكم إليه في الرأي، ويُجلّ في المكان ..
حياته حافلة بالمواقف الرفيعة، ومكانته محفوظة في قلوب الناس، لا لشيء إلا لأنه اختار أن يكون كما هو: صادقًا في فعله، نبيلًا في طبعه، واضحًا في مسلكه ، لا يتكلف، ولا يتعالى، ولا يُثقل على أحد، بل يسير بثقة ووقار، ويترك للناس أن يتحدثوا عنه بما يستحق ..
رؤيته وحدها تزرع الطمأنينة ، حديثه لا يعلو لكنه يصل، ومهابته تُحبّب الناس فيه . إذا حضر، حضر معه الهدوء، وإذا غاب، ظلّ حضوره ماثلًا في الذكر الطيب والسيرة النظيفة ..
هكذا رأيت "يبه" في لقائي الأول به ، وهكذا يتحدث الناس عنه ، رجل له وزن، وله قدر، وله أثر لا يُنسى ، رجلٌ قلّ أن يتكرر في هذا الزمن ..
وفي ختام مجلسة عطرنا بعبير بخوره الذي ترجم طيب نفسه وعلو قدره ومكانته .